الحاكم (الصادر الحكم بين أهل الرأي و أهل التقليدي
الحاكم
(الصادر
الحكم بين أهل الرأي و أهل التقليدي)
بخاري
التونسي
(خريج
معهد الروضة العلمية)
من
البحث الهام في علم أصول الفقه إصطلاح الحاكم. لأنه يمكّن الإنسان العاقبات على
فعل التكليف الذي كلف الله عليه من الخير و الشر من الثواب والعقاب. ام للإنسان التكالف من الواجبات و المنهيات بالوحي وحده ام بالعقل الذي هيأ الله عليه وحده قبل نزول الوحي.
الحاكم إسم الفاعل من "حكم". و إيتمولوجيا "الحاكم" هو واضع الحكم اوهو
ثابت الحكم. هو صادر الحكم وحده الذي كلفه على المكلف.
اتفق جمهورعلماء أصول الفقه ان الله هو الحاكم الحقيقي ليس غيره. وقال أ. عبد الهاب خلاف, أنه لا خلاف أن الله مصدرالأحكام الشرعية (خلاف: ٩٦), سواء كان هو حكم التكليفية ام هو
حكم الوضعية. كما قال الله تعالى,"ان الحكم الا لله يقص الحق وهو خير
الفاصلين." (الانعام: ٥٧).
واختلف علماء أصول الفقه في معرفة احكام الله, هل يمكن العقل ان يعرف احكام الله من غير وسيطة الوحي ام لا؟ ام لا سبيل
الى ذلك الا عن طريق الوحي؟
ذهب
جمهور العلماء,انما معرفة احكام الله بالوحي الذي انزله الله على رسله. والرسول هو
الذي يبلغ ما شرع الله على الناس المكلف, والمجتهد يستنبط و يستخراج احكام الشرعية
بتنوع الطريقة و المناهج بالقواعد والاصول التي وضعها علم الأصول الفقه.
وذهب مذهب التقليدي أن الله
هو الشارع الذي يصدر الشريعة التي يكلفها على المكلف بواسطة رسله. هو صادر الشرع. إنما سبيل معرفة الحكم بالوحي فقط.[1]
و ذهب أهل الرأي, انما العقل يستطيع ان يعرف الحكم الخير و الشر النفع والضر. إنما الوحي يؤكده وينقده ما يحصله العقل.
هذا إختلاف نشأ على تفرق أصول المناهج الإستنباطي عند أهل السنة, منهم من يتمسك بالحي فقط ومنهم من يأيد العقل ولو لم يمهل الوحي. و فرق عند أهل السنة الى مذهب الأصولي (التقليدي) و مذهب
الرأي و عند أهل الشيعة الى مذهب الأخباري و مذهب الأصولي. و الأخر هو مذهب
التوفيقي.[2]
الحكم
قبل البعثة؟
واختلف
علماء الأصول الفقه في معرفة الحكم قبل البعثة؟ ام ليست معرفة الحكم الا بالبعثة ام يعرف
العقل الحكم (الحسن و القبيح) بلا بعثة؟
وفي الأخرى يقول الله ايضا هذه معترضة
بالأيات الأتيات:
إن الله قد بعث على كل أمم رسول. كما قال الله
تعالى, "ولكل أمة رسول ..." (يونس: ٤٧)
وقوله, "ولقد
بعثنا في كل أمة رسولا ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ... " (النحل: ٣٦).
ولكن ليس كل رسل ذكر الله اسماءهم في صحف او كتب التي انزل الله على
رسله كما قال الله تعالى, "(وَلَقَدْ اَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَّنْ
قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗوَمَا كَانَ
لِرَسُوْلٍ اَنْ يَّأْتِيَ بِاٰيَةٍ اِلَّا بِاِذْنِ اللّٰهِ ۚفَاِذَا جَاۤءَ
اَمْرُ اللّٰهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُوْنَ ࣖ )".
الغافر/٤٠ : ٧٨). معناها ليست امة ليس فيها الرسول ولو لم يعرف اسمه فوجبت الامة
ان تفعل الخير و تترك الشر بالوحي الذي اوحى الله على رسله. ولهم الرسل الذين أرسلهم الله عليهم.
واما قول الله تعالى, "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهٖ
عِلْمٌ ۗاِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ اُولٰۤىِٕكَ كَانَ عَنْهُ
مَسْـُٔوْلًا " (الاسراء/١٧: ٣٦). يطلب الانسان ان يتفكر
و يتذكر و يتعقل و ينظر كل الشيئ قبل ان يفعله. قبل البعثة الرسل, عند المعتزلة أن
الله قد اهاب الناس العقل, يعرف به الهه و يعرف به الخير والشر. له حكم الواجبات
والمنهيات العقلنية.[3]
و عند الأشاعرة, ليس للانسان حكم الواجبات والمنهيات قبل البعثة
الرسل. ولو كان للانسان العقل. للانسان قوة العقل لمعرفة الهه, ولكن ليس قوة للعقل
ان يعرف الخيرليفعله و الشر ليجتنبه, انما الواجبات و المنهيات بالوحي لا بالعقل.
للعقل ليس له القدرة المستقلة بدون واسطة الوحي. الخير والحسن هو ما خيّره او حسّنه
الله بالوحي والشر اوالقبح ما شرّه قبّحه الله بالوحي. ليس على الانسان يجب ان
يعمله الخير أنه الحسن و ليس له الثواب على ما فعله من الخير. و لا يجب ان يترك
الانسان الشر أنه قبح و ليس له العقاب على ما فعله من الشر. انما الحسن و الشر و الثواب
و العقاب بالوحي لا بالعقل.
قال
الدكتور محمد سليمان اللآشقر من العلماء "اللأصولي" ,"ان العقل ليس
حاكما, والثواب والعقاب انما يتعلقان بالحكم الشرعي." ولذلك, اذا قدر العقل
في الفعل المعين نفعا, لا يشهد له الشرع لم يتعلق بذلك الفعل ثواب. واذا قدر فيه
ضرارا, اذا لم يشهد الشرع بتحريمه, لم يتعلق بفعله عقاب, والثواب والعقاب انما
بالحكم الشرعي. (١٥)
وللمعتزلة, أن العقل له القوة لمعرفة الله و معرفة الحسن والقبح والخير والشر. بمعرفة العقل يجب ان يعمله الانسان الخير أنه الحسن و له الثواب على ما فعله من الخير. و بمعرفة العقل يجب ان يترك الانسان الشر أنه قبح و له العقاب على ما فعله من الشر. عند المعتزلة معرفة الحسن والقبح بالنفع او الضر ما فعله الانسان. فكل ما هو نفع فهو حسن ويطلب المكلف ان يفعله وهو مثاب على فعله. و كل ما هو ضار فهو قبيح ويطلب المكلف ان يتركه وهو معقب على ارتكابه. فبهذه القضية اذ لم تصل اليهم دعوة الرسل, كلف الله بفعل ما يهديهم عقلهم الى حسن و يثابون على على فعله و كلف الله بترك ما يهديهم عقلهم الى قبيح و يعاقبون على ارتكابه. واستدلوا بقول الله تعالى, "وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في أصحاب السعير" (الملك: ١٠). هذه الاية تدل ان العقل بقوة تفكره يقتضي على اهتداء المرء او في تضليله و ان كان فيه الرسول.
وبهذه القضية تؤثر ما يلي, وما مقابلة من تلك القضية أقامها اهل الرأي. هذه القضية التلازمية من هذه الاصول التي اقامها اهل التقليدي:
الرسول
مبلغ احكام الله تعالى, هو ليس مشرعا الحكم. وانما هو مبلغ و ناقل و مبين للتشريع.
كما قال الله تعالى, "ان عليك الا البلاغ." (الشورى: ٤٨), "وانزلنا
اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم يتفكرون." (النحل:٤٤)
من تلك
الايات, ان الحكم لله, وليس لغير الله حكم.
والرسول
تطبق حكم الله على الناس, ويبين انطباقه على الوقائع المفردة و يلزم به. ويؤيد هذا
الفهم بقول الله تعالى,"وان احكم بينهم بما انزل الله ..." (المائدة:٤٩).
وكانت سنة الرسول دليلا شرعيا لا من حيث انها صادرة عن النبي ص. لذاته, بل من حيث
انها دالة على احكام الله تعالى.
ولو
كان قائل ان الرسول ص. قد حكم من عند نفسه في امور مختلفة, يقول هو "تفويض من
الله"
قال,
هو من مسألة التفويض, الذي فوض الله على رسوله بما هو على كل ما قاله الرسول هو من
عند الله و ليس بقول نفسه. كما قال الله تعالى, "وما ينطق عن الهوى ان هو الا
وحي يوحى." (النجم:٣-٤)
وقال
الاخر, هو من مسألة "اجتهاد الرسول". الاجتهاد بمعنى البحث والتحري عن
حكم الله تعالى في تلك المسألة, فلا يحكم من عند نفسه, ولا منتج من نفسه. هذا من
تطبيق حكم الله.
الاجماع
ليس حاكما غير الله
اذا اجتمعت الامة على امر ليس معناه جعلته شرعا, بل معناه اذا اجتمعت على امر, فذلك امارة على ان حكم الله في تلك المسألة هو ما اجمعوا عليه. هذا مثل القياس و الاستصلاح والاستحسان وغيره.
المجتهد
ليس بحاكم
[1] التقليدي هنا, ليس بمعنى "اتباع الشيئ بلا تفكر ولا رأي",
انما يراد به "العادة التي تورث على سبيل الوحي و الدين والروحانية ليس من
منتج الرأي" كما قاله السيد حسين نصر. وعند محمدية يقال, "التوقيفي".
أما المؤلف أحب اتخاذ اصطلاح "أصولي".
[2] أ.دز شمس الانوار, "أصول الفقه, دراسة
نقدية في أليات اكتشاف الأحكام الشرعية" (يوكياكرتا, مجمع البحوث و التطبيقات
جامعة محمدية بيوكياكرتا, ٢٠١٨) ص: ٣٥
[3] "عقل" معناه "المنع
والامساك والحفظ", قاله ابن الفارس في المقايس اللغة. العقل بمعنى حبس لانه
هو الحابس عن ذميم القول والفعل. و بمعنى "ربط" لانه يربط حيوان ان
يذهبوا الى اي مكان. و كذلك العقل يمنع من الجهل والزلل. قال الراغب الأصفهاني,
"العقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم" (زايد ٣١ : ٦٣ ). وقال
الغزالي: "غريزة يتهيأ بها النظر في المعقولات." (٦٣). وفي زايد قال, "العقل
خلق مهيأ لفهم الخطاب و تمييز حقائق الأمور و معرفة مسلماتها."
Komentar
Posting Komentar